قلوب "أطفال مصر " تستغيث

لم يكن عمر ندي قد تجاوز‏18 يوما فقط عندما بدأت رحلتها مع المرض ففي هذه الايام القليلة أصيبت بالصفراء وذهبت بها والدتها لقياس نسبة الصفراء ولكن الطبيب المعالج طالبها بعمل موجات علي القلب لسماعة زنه كما وصفت الام‏
<="" div="" border="0">
وكانت صدمتها شديدة عندما أظهرت الأشعة وجود ثقب في القلب وأوضح لها الطبيب ان في الحالات المماثلة اما ان يغلق هذا الثقب بشكل تلقائي أو يظل يتوسع ونصحها بالمتابعة كل6 أشهر للاطمئنان.
ولكن بعد مرور شهر فوجئت الأم بتحول لون ندي الي الأزرق وهرولت بها الي العديد من الأطباء بالمنصورة فهي الاقرب لها وهناك أخبرها الأطباء بوجود خمسة عيوب خلقية في القلب وأن الجراحة تحتاج الي25  الف جنيه وأسقط في يد الأم التي لاتملك هذا المبلغ الي ان ارشدها اقاربها الي مركز جراحات القلب, بمستشفي طلبة ابو الريش الذي يقدم هذه الخدمة المجانية للاطفال.. وبالفعل كانت ندي هي اول حالة تقع عيني عليها عندما بدأت جولتي بالعناية المركزة بمركز جراحات القلب والحقيقة كان مؤلما ان تشاهد طفلة في عمر الزهور محاطة بكل هذه الاجهزة ولاتكاد تميز ملامح وجهها من كثرة الانابيب والخراطيم المحيطة بها وليست ندي وحدها, فداخل وحدة العناية المركزة الأولي والتي تضم10 أسرة يتكرر المشهد فلايخلو سرير واحد من طفل لايتجاوز عمره عدة أشهر ومحاط بالأجهزة في مشهد لايتحمله القلب.
أما الاكثر قسوة فهي المعلومات التي امدني بها المسئولون عن المركز التابع لهيئة التأمين الصحي, فهذا الوضع المأساوي تعيشه نحو20 ألف أسرة سنويا يولد بها اطفال مصابون بعيوب خلقية في القلب05% منهم في حاجة الي اجراء الجراحات في سن مبكرة و25 % منهم معرض للموت في العام الاول من العمر, وللأسف فإن قوائم انتظار الجراحات التي تمتد لسنوات في المستشفيات الجامعية ولشهور عديدة في مركز جراحات القلب تؤدي الي وفاة الأطفال اثناء انتظار الدور.
وبالرغم من المشاكل العديدة التي يتعرض لها المركز فإنه يجري نحو75 % من جراحات قلب الاطفال في مصر وهو ما أوضحه الدكتور هشام شوقي استاذ جراحة القلب بطب قصر العيني ومدير المركز, مؤكدا علي ان المركز الذي يضم16 استاذ جراحة قلب اطفال و10 اساتذة تخدير ورعاية مركزة يعمل بأقصي طاقة ممكنه للتغلب علي قوائم الانتظار الممتدة لشهور وسنوات, وذلك لان المراكز الجامعية تعاني من عدم قدرتها علي زيادة عدد الجراحات التي تجريها لنقص الامكانيات المادية وهو مايعاني منه المركز ايضا خاصة انه في حاجة الي دعم مادي لاتستطيع هيئة التأمين الصحي او وزارة الصحة ان تقدمه له في ظل الظروف الحالية. بالاضافة الي البيروقراطية المعتادة في احلال وتجديد الاجهزة والتي قد تصل الي الانتظار عاما ونصف العام للحصول علي جهاز جديد, وهذا ما اكد عليه الدكتور محمد طه مدير مستشفي طلبة ابو الريش ـ اطفال مصر ـ موضحا ان المركز الذي يضم ثلاث غرف عمليات وغرفتي رعاية مركزة يبلغ عدد الأسرة بها اثنين وعشرين سريرا ويقدم خدماته مجانا وبدون اي تكاليف علي المريض ـ لايتلقي اي تبرعات من اي جهة في مصر وبالرغم من الدعم المادي لوزارة الصحة وهيئة التأمين الصحي الا انه غير كاف خاصة في ظل ضرورة التوسع في إجراء المزيد من الجراحات للأطفال لإنقاذ اكبر عدد ممكن منهم.
وأثناء حديثي مع الدكتور هشام شوقي والدكتور محمد طه داخل العناية المركزة لفت نظري استعداد فتاة صغيرة عمرها(8 سنوات) للخروج تحدثت مع والدتها التي قالت ان مشكلة ابنتها ظهرت عندما كان عمرها ثلاث سنوات حيث اصيبت بارتفاع في درجة الحرارة, ولكن الطبيب الذي وقع الكشف عليها نصح الام بضرورة اجراء فحوصات في معهد القلب تحديدا وهناك اكتشفت الام وجود غشاء تحت عضلة القلب وكان حجمه صغيرا ونصحها الطبيب بالمتابعة المستمرة ومنذ ستة اشهر اكد لها طبيب ضرورة إجراء جراحة لان الغشاء الموجود تحت عضلة القلب يزداد حجمة وبالفعل حصلت علي دور داخل المركز وأجريت الجراحة بعد4 أشهر وهي الآن تستعد للخروج.
وحول اسرة الاطفال في العناية المركزة وقف عدد من الممرضات اقتربت من احداهن وهي غادة تعمل منذ51 سنة في الرعاية المركزة لجراحة القلب المفتوح في مستشفيات التأمين الصحي التي انضمت الي مركز جراحة قلب الأطفال منذ اليوم الاول بالرغم من ان العمل مع الاطفال اشد قسوة ويحتاج الي تركيز شديد لانهم اكثر حساسية خاصة حالات الغسيل البريتوني.
وتقول غادة: بالرغم من ان مرتبات التمريض داخل المراكز تعد جيدة بالمقارنة مع زميلات في اماكن اخري الا ان العمل شاق جدا بالاضافة الي قلة اعداد التمريض داخل المركز, فنحن73 ممرضة نعمل في3 نوبتجيات ونحتاج ان يصل العدد الي54 ممرضة ليكون العمل افضل فمن اهم مشاكل المركز عدم وجود مشرفات تمريض في فترة السهر وتكلف الممرضة الواحدة بالإشراف ليلا علي ثلاثة أطفال اجريت لهم جراحة دقيقة في القلب!
أكملت جولتي داخل مركز جراحة قلب الأطفال بمستشفي طلبة أبوالريش وتوجهت للدور الاول الذي يضم جناح التحضير للعمليات والذي وجدت علي ابواب غرفه اسماء وصور شخصيات كرتونية محببة للاطفال مثل جناح توم وجيري وجناح ويني وفي جناح النينجا التقينا بأنس(8 شهور) حيث كان يستعد لاجراء جراحة تسليك للشريان الاورطي وتحكي والدته ان معاناة أنس مع المرض ظهرت في عمر خمسة أشهر عندما أصيب بدور برد عادي ولكن الطبيب طالب الام بضرورة إجراء أشعة علي الصذر والتي ظهر بها هذا العيب واكدوا علي ضرورة اجراء الجراحة لانس بشكل عاجل فجاءت الي مركز جراحات القلب بمستشفي طلبة ابوالريش ولم تنتظر سوي ايام قليلة وتم تحديد موعد الجراحة لها في هذا اليوم.
وهناك أيضا التقيت بالدكتور شريف عزب استاذ جراحة قلب الاطفال بالمركز والذي يري ان الاعلام بكل وسائله اصبح هو المسئول الاول عن غياب التبرعات والاهتمام المجتمعي بهذا المركز, حيث يري الدكتور شريف انه بالرغم من انشاء هيئة التأمين الصحي لهذا المركز في مستشفي طلبة ابوالريش عام1998 وبالرغم من العمل الدائم والمستمر لهذا المركز علي مدار هذه الاعوام حتي وصل عدد الجراحات العام الماضي1500 جراحة بنسبة نجاح93 % وهي نسبة لم يصل اليها اي مركز آخر في العالم, بالرغم من كل ذلك الا ان المركز لا وجود له علي دائرة الاهتمام الاعلامي بل علي العكس ـ ومازال الكلام للدكتور عزب ـ هرول العديد من وسائل الاعلام وراء رموز النظام السابق واهتمت بعدد محدود جدا من المراكز والمستشفيات ووضعت امكانيات الوزارة في خدمتها وقامت الجمعيات الخيرية بدعم هذه الاماكن بالملايين بعضها مراكز قلب شهيرة ولكنها لا تقوم بنفس الدور الجبار الذي يقوم به المركز الذي دفع ثمن تخبط السياسة الصعبة في مرحلة ماقبل ثورة25  يناير وعدم انصات المسئولين في الوزارة والهيئة للمشاكل التي ازدادت عاما بعد عام والتي يري الدكتور شريف عزب انها يمكن حلها بتكاتف الجهود من جانب الهيئة والاعلام لاعطاء المركز الاهتمام الذي يليق به والذي يتحقق من خلال محورين: اولهما وضع المركز علي قائمة اولويات واهتمام المسئولين في هيئة التأمين الصحي ووزارة الصحة ونطالب الوزير بأن يتم تحويل المركز الي وحدة ذات طابع خاص بالاضافة الي مطالبة كل الاطباء العاملين بالمركز كل المصريين بأنشاء جمعية خيرية لرعاية ودعم هؤلاء الاطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة جدا وعلي المجتمع المدني ان يكون له دور حقيقي وان يعرف اين يوجه الجهد والدعم المادي والنفسي.            من الاهرام اليومى