بقلم : مـها عبدالفـتاح
|
يجب ألا نغفل عن هذا المعني فالغالبية العظمي من الحشود المليونية - الحقيقية - التي خرجت لشوارع مدن مصر منذ 25 يناير فحولت مظاهرات الاحتجاج الي ثورة شعبية، انما خرجت لفرط أحوالها الاجتماعية التعسة التي تعود الي نظام اقتصادي فظ يفتقد العدالة الاجتماعية ويتيح للفساد ان يستشري... وانظروا للعالم من حولنا: الي القلاقل الاجتماعية والمظاهرات الاحتجاجية في المرحلة الاخيرة وهزت اسبانيا واليونان وايطاليا والبرتغال وفرنسا واسرائيل وأخيرا ذلك العنف والشغب المدمر في انجلترا ـ بما يعني ان حتي النظام الديموقراطي الذي يعيشون في ظله قد لا يضمن رضا الشعوب أوقد توجد حكومات منتخبة وقد تخذل الشعوب او لا تقدم خدماتها بتوازن لجموع الشعب بكل فئاته ... نختار أن نورد ذلك الآن لنذكر النخبة المستغرقة حاليا في تطلعات الوصول الي الحكم أن الديموقراطية وحدها لا تقيم عدالة اجتماعية ولا تحمي من فساد ولا تضمن حياة مستقرة لمجتمعاتها: ليس غير نظام اقتصادي سليم ومتوازن هوما تتطلع اليه الشعوب اولا وقبل أي شيء ..
واضح ان العمل الجاد وفق القواعد الاقتصادية الموضوعة ما عاد طريقا مفتوحا اومضمونا يؤدي لمعيشة مزدهرة وحياة كريمة في المجتمعات الغربية .. بل ثبت بالدليل في معظم الدول الصناعية في الغرب من التي اتبعت في العقود الاخيرة النظام الاقتصادي الذي يعرف »بالليبرالية الجديدة« أي »الحرية المطلقة للاسواق« مآل الثروة الانتاجية فيها ينتهي (في حجر) خلاصة محدودة من المجتمع هي الاكثر ثراء فيزداد ثراء، بينما الطبقة الوسطي منكمشة وتتدهور، والفئات المهمشة تزيد فقرا، وبينما كل خمسة من عموم الشباب بينهم واحد متعطل عن العمل و... لذا عندما تنكسر قواعد النظام العام في مجتمع ما، تخرج كل نوازع الغضب الكامن في أشكال من فوضي عارمة، نهب وسلب الي تخريب ودمار بكل ما تصل اليه الايدي أوتجد اليه سبيلا ... لذا ملايين الاوروبيين يرون الآن ضرورة تغيير بعض قواعد الملعب الاقتصادي - الاجتماعي، فالاحوال الاقتصادية بوضعها الحالي لا ينتظر منها تقديم مستقبل مقبول ولا حاضر كريم ..
خبير اقتصادي بريطاني حاصل علي جائزة نوبل »بيب ايجر« عرض لجذور أسباب ما حدث في بريطانيا فكانت مرجعيته السياسة الاقتصادية السيئة التي أوجدت الاختلال في توازن المجتمع .. وقال انه سبق وحذر من مثل هذه السياسات التي تؤدي الي ما ادت اليه »ليس في مصر فقط بل علي مستوي العالم« وهذا هوقوله بالنص... ثم استطرد محذرا من اجراءات التقشف التي لا تطول دائما غير الطبقة العاملة والكادحة وشرائح من المتوسطة فهؤلاء من يدفعون الثمن.
ثم احد المكاتب الاستشارية الكبري في اوروبا (بونتيتشيللي- فوث) قدمت دراسة عن نماذج لقلاقل وعنف وأحداث شغب وقعت في اوروبا وكلها علي اثر اجراءات تقشف حكومية بعد استفحال سوء الاحوال الاقتصادية.. وتبدأ هذه الدراسة من نهاية جمورية فينمار بألمانيا في الثلاثينيات، الي مظاهرات الاحتجاج في اليونان مؤخرا.. وخلاصة الدراسة تجد اجراءات التقشف دائما تسير يدا بيد مع العنف السياسي والقلاقل الاجتماعية، فخفض الانفاق الحكومي يؤدي دوما لمخاطر اجتماعية تتراوح بين عمليات شغب الي مظاهرات واضرابات بل واغتيالات ومحاولات ثورية لاسقاط نظم الحكم ... اذن تلخيص الموقف كالآتي كما جاء في مجلة تايم العالمية: الفساد + التقشف = قلاقل! لذا الانغماس في طقوس من السلب والنهب والتخريب الذي عانت منها بريطانيا في الأسبوع الماضي قد تكون الوجه القبيح لموجة عاتية من قلاقل اجتماعية في اورويا تبدو في الأفق.
انما توقفت طويلا أمام الصراحة النادرة في تعليق للكاتب السياسي في صحيفة ديلي تلجراف البريطانية - بيتر أوزبورن - صراحة تخاذل عنها كثيرون غيره فقال عن العمليات الاجرامية التي وقعت من شباب ضاحية نوتنهام بشمال لندن وغيرها من مدن انجلترا، إن الفصل غير ممكن بين ما حدث من عمليات سلب ونهب ودمار مخيف من طبقة دنيا، وذلك التحلل الاخلاقي المخيف بين طبقات عليا في المجتمع البريطاني لأن هذا يراه مواز لذاك.. وقد خص بالذكر الطبقة السياسية الحاكمة في العقدين الاخيرين من حيث الفساد والاكاذيب المفضوحة التي تفشت وكأنها ثقافة عامة ... لم يعد الامر في تعليقه مجرد تمرد توحش لفئات من شباب ضائع، انما يقابله علي الناحية الاخري ثراء توحش مع فساد وسطوة!
تساءل أحد المعلقين البريطانيين اذا كان هؤلاء الشباب المدمر يعوزه انعدام التربية القويمة، فما أعذار هؤلاء السياسيين وكباررجال البنوك ممن أتيحت لهم أحسن المدارس وتخرجوا في أرقي الجامعات ونالوا أفضل فرص الحياة، مالهم وكل ذلك الفساد الذي انغمسوا فيه؟! معلق آخر قال »ان أردنا معالجة المشاكل التي تواجهنا فلابد ونتذكر أنها أساسا غير مقصورة علي تلك الفئة من الطبقة الدنيا المهمشة، لأن ثقافة »الشراهة المحصنة« هي مصدر البلاء ((لا أدري لما أتذكر هنا الحصانة البرلمانية لمجلس الشعب السابق الموقر فالحصانة بالحصانة تذكر!)) لكن أن الشراهة المحصنة في بريطانيا تمتد حسب المعلق الي مجالس الادارات الكبري، وفرق من البوليس، وقطاعات كبري من الاعلام البريطاني، بل وتصل الي مجلس الوزراء ... اذن ليس هؤلاء الشباب المحرومون وحدهم من يحتاجون الي تقويم الأخلاق، بل رؤوس كبري هي في أمس الحاجة الي التقويم ..! كأن كشف المستور علي الملأ في تلك الفضيحة المدوية لملياردير الاعلام (رووبرت ميردوك) التي امتدت الي أركان من المجتمع الحاكم كشفت عن كم الفساد الضارب في أركان السلطة لدي الدولة الديموقراطية العريقة ... اذن الديموقراطية وحدها لا تكفي!